- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
بالتطبيق الشامل للإسلام يمكننا أن نخرج البشرية من الظلمات إلى النور
نذكر خطاب جعفر بن أبي طالب للنجاشي الذي قال فيه: "كنا قوماً أهل جاهلية، نعبد الأصنام، ونأكل الميتة، ونأتي الفواحش، ونقطع الأرحام، ونسيء الجوار، يأكل القوي منا الضعيف. حتى بعث الله إلينا رسولاً دعانا إلى الله لنوحده ونعبده، ونخلع ما كنا نعبد نحن وآباؤنا من دونه من الحجارة والأوثان، وأمرنا بصدق الحديث، وأداء الأمانة، وصلة الرحم، وحسن الجوار، والكف عن المحارم والدماء، ونهانا عن الفواحش، وقول الزور، وأكل مال اليتيم، وقذف المحصنة، وأمرَنا أن نعبد الله وحده لا نشرك به شيئاً، وأمرنا بالصلاة والزكاة والصيام.".. كلمات لخّص فيها كيف نقل الإسلام البشرية من الظلمات إلى النور.. كلمات أوضح فيها أن الأساس هو تطبيق الإسلام دينا وسلوكا وعبادات ومعاملات ودستور حياة..
هذا الكلام المُقنع والتوصيف الدقيق لتأثير الإسلام على الأفراد دليل على اهتمام رسول الله e بالدعوة الفردية في أول مراحل الدعوة والتي أثّرت في الناس أيّما تأثير، فجعلت الأفراد المتمسكين بهذا الدين مضحِّين له بالغالي والنفيس.. جعلت منهم شخصيات إسلامية حقيقية كانوا السواعد البانية للدولة القادمة.. وقد سلكه معه أصحابه الأوائل، وبخاصة أبو بكر رضي الله عنه الذي أسلم على يده كثير من أفراد الرعيل الأول رضوان الله عليهم جميعاً.
فالدعوة إلى الله واجبة على كل مسلم ومسلمة، ولا يحلّ لمسلم أن يتقاعس عن الدعوة، كل على قَدر عِلمه، لأنه صار جنديّاً من جنود محمد e، يذبُّ عن دينه، ويدعو إلى شرعه، وينافح عن أحكام ربه. فعَنْ سَهْلِ بن سعدٍ، أنَّ النَّبيَّ e قَالَ لِعَليًّ رضي الله عنه: «فواللَّهِ لأنْ يهْدِيَ اللَّه بِكَ رجُلاً واحِداً خَيْرٌ لكَ من حُمْرِ النَّعَمِ» متفقٌ عليه.
وقال تعالى: ﴿قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾ سورة يوسف. أي: قل يا محمد e: هذه سبيلي، وطريقتي، ومنهاجي، أنني أدعو إلى الله أنا وأتباعي، فلا نرى منكراً فنسكت عنه، ولا نرى باطلاً فنُقره، ولا نرى حرمةً تُنتهك فنتركها، بل ندعو الناس جميعاً إلى ترك المعاصي، واجتناب القبائح، وفعل الفضائل، وترك الرذائل، ولكن دعوتنا على بصيرة وعلم وحكمة ولين.
ولكن مع أهمية هذه الدعوة للأفراد إلى اعتناق الإسلام. فهذا ليس بكافٍ لنقل نور الإسلام إلى الإنسانية، ولا لنشر الإسلام إلى العالم.. فهذا يحتاج إلى دولة تطبق دين الإسلام ليصبح أساسا منظما لشؤونهم، دولة تطبقه تطبيقا شاملا كاملا، دولة لا تؤمن إلا بالقرآن كله، ولا ترضى إلا بحكمه وبالاحتكام له كله، ولن ترضى ببقاء أي فتات مما يرميه الشرق والغرب من أضرار الرأسمالية وعقم معالجاتها. فهو الحق وما دونه باطل، والحق لا يقبل الشراكة مع الباطل وحكمه على الرعية واحد على الحاكم والمحكوم، على الغني ضمن أساس ثابت مبني على قوله e: «أَتشْفَعُ فِي حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللهِ؟ وَاللهِ لَوْ أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ مُحَمَّدٍ سَرَقَتْ لَقَطَعْتُ يَدَهَا».
فعند تطبيق أحكام الإسلام كافة من الدولة يرى الناس حقيقة الإسلام وروعته على أرض الواقع، يعيشونه ويلمسونه.. ولنا في قصة انتشار الإسلام في جنوب شرق آسيا مثل واضح وجليّ؛ فالمسلمون لم يذهبوا إلى هذه المناطق الشاسعة المساحة العظيمة السكان بجيوش فاتحة، ولم يخوضوا مع أهلها حروباً تُذكر، وإنما ذهبوا إليها كتُّجار يحملون أخلاقَ الإسلام، وهَمَّ الدعوة إلى الله، وذلك بالحسنى والمعاملة الحسنة، فحقَّقوا القاعدة الأصيلة التي تؤكد أن الإسلام إنما يغزو القلوب والعقول لا الأراضي أو البلدان. حمل التجار المسلمون بضائعهم، ورحلوا إلى تلك البلاد النائية وأخذوا يبيعون ويبتاعون، ووجد أهل تلك البلاد النائية فيهم الصدق، وعرفوا فيهم العفَّة والأمانة، ثم علموا أن هذا كله من أثر العقيدة التي يحملونها؛ فحُبِّب الإسلام إلى نفوسهم؛ الأمر الذي لم يظلوا عليه طويلاً حتى باتوا يدينون بالإسلام، وأصبحوا من أبنائه المخلصين.
وإن نشر الإسلام يحتاج إلى الجهاد، وهذا لا يستطيعه أفراد بل دولة، وهنا أريد أن أركز أو أرد على من يقولون إن الجهاد والفتوحات هي احتلال وإجبار للناس على دخول الإسلام فأقول إن الغاية من الجهاد ليست إكراه النَّاس على الإسلام؛ وإنما لإفساح الطريق لهم لأن يعبدوا الله ويتركوا الشّرك، ولتطهير الأرض من أجواء الفتن حتى يعبد الناس رب العالمين وحده، وإخراج العباد من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، وإرْجاع البشر إلى أصل فطرتِهم، وهي الإسلام لله تعالى الَّذي يخلّص البشر من كل عبوديَّة مُذلَّة لغيره. فتتوفر بذلك أجواء إيمانية لهم تساعدُهم على التفريق بين الحق والباطل، وتوضح لهم الرشد من الغيّ؛ ولذلك قال الله تعالى: ﴿لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ﴾.
ولذلك قال ربعي بن عامر لرستم ملك الفرس يوضِّح سبب جهاد المسلمين: "إنَّ الله ابتعثنا لنخْرج مَن شاء من عبادة العباد إلى عبادة الله، ومِن ضيق الدنيا إلى سَعتها، ومن جور الأدْيان إلى عدل الإسلام، فأرسلَنَا بدينِه إلى خلقِه لندعُوَهم إليْه، فمَن قَبِل ذلك قبِلْنا منه ورجعنا عنْه، ومن أَبَى قاتلْناه أبداً حتَّى نفضي إلى موعود الله"، وهذا ما جاء به الحقّ في القرآن؛ حيث قال: ﴿وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَلَا عُدْوَانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ﴾ البقرة.
ونحن الآن بلا دولة ولا جهاد ولا إسلام مطبق بشموليته وأحكامه، فلا حل ولا طريقة لرجوعه إلا بطريقته الواجبة وهي الطريقة الانقلابية الجذرية الشاملة والتي لا تقبل بشراكة الكفر والباطل تحت أي ظرف أو تبرير. لا سبيل لذلك إلا بدولة الخلافة الراشدة الثانية على منهاج النبوة.. فهلاّ عملتم لها حتى تنالوا خير الدنيا والآخرة بإذن الله..
كتبته لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
مسلمة الشامي (أم صهيب)