- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
طريقة التفكير الإسلامية هي طريق الخروج من الظلمات إلى النور
(مترجم)
شهر رمضان هو شهر التأمل والتفكير والعبادة والخضوع والعبودية، ما يؤدي إلى الحرية والتفوق والنصر. نصر الله سبحانه وتعالى يكون فقط لأولئك الذين يمتلكون الوعي الحقيقي للعبودية، الذين لا يستجيبون إلا لأمر ربهم وبإخلاص، والذين لا يتبنون أي شيء آخر كمعيار لأنفسهم إلا وفقا لأوامر وحدود ربهم. إن العبودية للمؤمن هي السعي لرسم حياته وفقا لما يرضي الله سبحانه وتعالى. ومن ثم منّ الله سبحانه وتعالى على الأمة الإسلامية بأعظم الانتصارات وإحراز التقدم خلال هذا الشهر. لقد كان المسلمون شهداء على البشرية وعلى أنفسهم في المجالات السياسية والعلمية والاجتماعية والاقتصادية وفي كل مجالات الحياة، حيث قدموا للعالم العدل والنماء لأكثر من 1300 عام. إن المعايير والطريقة التي يوفرها الإسلام لقدرة الإنسان على التفكير تشكل أعظم ثروة للبشرية. فمن ناحية، رفعت هذه الطريقة الكائن البشري عن المخلوق البدائي الذي يتكون من مجرد غرائز وحاجات عضوية، ومن ناحية أخرى، أقامت مجتمعات تعامل أفرادها مع بعضهم بعضاً بالرحمة والعطف والتضامن والسلام والعدالة. هذه الطريقة جعلت هذه المجتمعات مركز تاريخ العالم وحجر الزاوية للحضارات.
إنها حقيقة أن وحي الله لم يتغير. هذا الوحي لا يزال كتابا فاعلا وحيويا وثوريا. هذا الكتاب هو مصدر الحياة لكل شيء. القرآن لم يتغير، لكن فهم القرآن، النظرة إليه والموقف تجاهه قد تغيرا. هذا بالتأكيد نتيجة لأكثر من 100 عام من الهيمنة الثقافية الاستعمارية على المسلمين. اليوم؛ فإنه بسبب حكام ومثقفي المسلمين الذين فقدوا طريقة التفكير الإسلامية أصبحت الأمة الإسلامية بعيدة كل البعد عن السلام والازدهار الذي وعدهم به الإسلام، غارقة لا يمكنها الهروب من ظلام المحن والمعاناة والتعذيب والغارات والحروب والفقر، والبؤس والعجز! لا شك بأن المثقفين الذين انغمسوا بثقافة الكفر والذين انبهروا بأسلوب حياة الكفر، والحكام الذين يطبقون الأنظمة وسياسات الحكم غير الإسلامية، وبالتالي يقدمون العون والمساعدة للكفر، لن يكونوا قادرين على قيادة أمة محمد ﷺ ولا الجنس البشري ونقله من الظلمات إلى النور. وهكذا، فإنه وعلى الرغم من أن قراءة القرآن في شهر رمضان المبارك هذا ستكون وسيلة لتحقيق المغفرة لخطايانا بشكل فردي ورفع مكانتنا في الجنة، إلا أنها لن تكون كافية لإعادتنا إلى وضعنا كأمة عدل شاهدة على البشرية. على العكس من ذلك، فإن التحرير لن يأتي إلا من خلال شخصيات إسلامية متميزة تكون قادة وحكام ودروع الأمة، شخصيات تحتضن القرآن والسنة كمصدر وحيد لتفكيرهم، وتجعل العبودية لله هي الطريقة الوحيدة لتفكيرهم.
إن أية مقاربة غربية بين القرآن والسنة وتطبيق الأحكام الإسلامية من جهة وبين العقلانية في هذه الحياة تحرمنا من فوائد التوجيه القرآني. ولم يتسبب هذا إلا في علمنة المسلمين، وحكم عليهم بالعجز في مواجهة أنظمة الكفر وهجماتهم. إن البحث عن حلول لمشاكل الأمة والبشرية في الواقع الحالي الذي يحيط بنا يعني إخراج القرآن والسنة من العمل وسجن الأمة في هذا الواقع. وبالمثل، فإن تطبيق القرآن في أحد جوانب الحياة، في حين تنظيم الشؤون الأخرى وفقاً للعقل الإنساني، أمر يتناقض مع غرض القرآن، وهو (الهداية) و(الفرقان). فمثلا؛ قبول القرآن والسنة كقاعدة في مسائل العبادة والزواج الديني والأكل واللباس ولكن تحديد العدالة أو الظلم في تنظيم المجتمع على أساس المساواة بين الجنسين، أو اتخاذ النظم القانونية الغربية كأساس في مكافحة الجريمة، واحتضان الديمقراطية والعلمانية كركائز للسياسة وتكوين الصداقات والأعداء وفقا لما تمليه القوى الغربية، ومناشدة الدول والمنظمات والمؤسسات الغربية لإنقاذ المسلمين من الاضطهاد والموافقة على اتفاقاتهم... ليست ولن تكون أبداً طريقة تفكير إسلامية! كل هذا عابر ومنتقىً من رسالة القرآن الكريم وكلام الله عز وجل وسنة رسول الله ﷺ. ومثل هذا الموقف لا يعد تقصيرا في طاعة الله فحسب بل تخليا عن الأمة والبشرية ورميها بين مخالب القمع أيضا. وفيما يتعلق بالمصطلحات الفارغة الخاطئة والمضللة التي تنتجها عقول الغرب الكافر، كالحرية والمساواة وحقوق الإنسان والعدالة الاجتماعية والسلام، كإجراء يهدف إلى إعادة تفسير وإصلاح الآيات القرآنية، فإن الدعوة إلى ذلك كله، تشوش المفاهيم والقيم الإسلامية وتفصل (العقيدة الإسلامية) عن (العمل). وفيما يتعلق بأحكام القرآن المتعلقة بالمرأة وإلغائها، أو تسمية سنة الرسول ﷺ وجهة نظر، وتفاني الصحابة، والتابعين وتابعي التابعين، والعلماء المسلمين الكبار "تسلطاً" و"توجها ذكوريا" و"كراهية للنساء"، كل هذا يجعل المرأة لقمة سائغة لرغبات الذئاب الجائعة. إن الدعوة إلى تحديث أي من أحكام الإسلام، بما في ذلك أحكامه الاجتماعية، خيانة لعدالة الله وأحكامه. في السابق، عندما قام الفقهاء المسلمون بتدريس هذه الأحكام للناس، وعندما كان الحكام المسلمون يحكمون بها، كان شرف المرأة محمياً وكانت الأم تحظى باحترام كبير، بينما كان المسلمون يطيعون أمر القرآن بالتزام أحكامه المتعلقة بغض البصر وحماية عفتهم من أجل تجنب الوقوع في الزنا. خلال أوقات ماضية، عندما كان الجهاد في سبيل الله قائما، لم يشغل الرجال المسلمون أنفسهم بما هو غير مجدٍ، لكنهم سارعوا للذود عن المسلمين وغير المسلمين في بقاع الأرض هنا وهناك في ظل قيادة الخليفة. في ظل قيادة الحكام الذين تبنوا شعار ﴿إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلّهِ﴾، أصبحت الحضارة الإسلامية محررة للبشرية وضامنة للازدهار والعدالة. ولذا؛ فمن أجل التخلص من هذه الأنظمة، التي تمنعنا من فهم وتطبيق هذه الأحكام الإسلامية وما هو أكثر من ذلك، ومن أجل أن يكرمنا الله بنصره، يجب علينا أن نفهم القرآن والسنة وفقا لطريقة التفكير الإسلامية، وأن نربط أنفسنا مع طريقة التفكير الإسلامية من جديد.
إذا ما أردنا إنهاء الحقبة المظلمة وفتح عصر النور كالصحابة الكرام، فيجب علينا إذن أن نخضع لأحكام القرآن دون قيد أو شرط كما فعلوا. العالم اليوم في حاجة إلى الثورة القرآنية من جديد. يريد الله أن تكون هذه الثورة بأيدينا. المسلم الثوري ذو الشخصية الإسلامية سيواجه بالتأكيد صعوبات في دعوته. لكن الأنبياء والمرسلين، ولا سيما نبينا الحبيب محمد المصطفى ﷺ، وأصحابه، وآلاف الرجال والنساء المؤمنين، الذين كانوا لنا كالنبراس المضيء، إنهم قدوة لنا ودافعنا للصبر والصمود والمثابرة في مواجهة سياسات التعذيب والاضطهاد والإبعاد ضد هذا الدعوة النبيلة. قووا أرواحهم بالعبادة وأيديهم بالأخوة. في مقابل عبوديتهم لله تعالى، منّ الله سبحانه وتعالى عليهم بدولة القرآن التي تطبق أحكام القرآن.
لذا؛ دعونا خلال رمضان هذا أن نسعى جاهدين لتطهير أجسادنا بالصيام، وأرواحنا بالصلاة وأفكارنا بالقرآن الكريم، حتى نصبح شهداء على البشرية وأمة العدل من جديد. هدفنا سام رفيع. ونجاحنا وثيق ومؤكد قريب بإذن الله...
﴿إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللّهُ﴾
كتبته للمكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
زهرة مالك