السبت، 17 محرّم 1447هـ| 2025/07/12م
الساعة الان: 13:21:07 (ت.م.م)
Menu
القائمة الرئيسية
القائمة الرئيسية

مع القرآن الكريم - الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْ دِينِكُمْ

  • نشر في من القرآن الكريم
  • قيم الموضوع
    (0 أصوات)
  • قراءة: 1460 مرات

 

{ الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ فَلاَ تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِي الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمْ الْإِسْلاَمَ دِينًا }

سورة المائدة: 3

    قوله تعالى: { الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ } أي يئسوا من أن يزول هذا الدين ويندثر، أو أن يرجع المسلمون عن دينهم. ويؤيد هذا المعنى الحديث الثابت في الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( إن الشيطان قد يئس أن يعبده المصلون في جزيرة العرب، ولكن التحريش بينهم ).

 

    وقوله تعالى: { فَلاَ تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ } قال ابن كثير: (أي لا تحافوهم في مخالفتكم إياهم واخشوني أنصركم عليهم وأُبدهُمْ وأُظْفِرْكمْ بهم وأُشفِ صدوركم منهم وأجعلكم فوقهم في الدنيا والآخرة). وقوله تعالى: { الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ } واليوم هو يوم عرفة في حجة الوداع وقد توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ذلك بواحد وثمانين يوماً، والمكان هو جبل عرفات. وروى الإمام أحمد في مسنده: ( جاء رجل من اليهود إلى عمر بن الخطاب فقال: يا أمير المؤمنين إنكم تقرأون آية في كتابكم لو علينا معشرَ اليهود نزلت لاتخذنا ذلك اليوم عيداً. قال: وأي آية؟ قال: قوله: { الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي }، فقال عمر: والله إني لأعلم اليوم الذي نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم والساعة التي نزلت فيها على رسول الله صلى الله عليه وسلم: عشية عرفة في يوم جمعة ). ورواه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي. وهما عيدان: يوم عرفة عيد ويوم الجمعة عيد.

 

    وقد ظن بعضهم أن هذه الآية هي آخر ما نزل من القرآن، وسبب هذا الظن توهمهم أن إكمال الدين هو خَتْمٌ لنـزول القرآن الكريم. والمقصود بإكمال الدين هو إكمال الأحكام وإكمال العقائد، وما نزل بعد ذلك إن هو إلا تأكيد لما سبق. أما آخر ما نزل من القرآن فهو الآية 281 من سورة البقرة، أي قوله تعالى: { وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ } قال ابن كثير: (عن سعيد بن جبير قال آخر ما نزل من القرآن كله { وَاتَّقُوا يَوْمًا... } الآية وعاش النبي صلى الله عليه وسلم بعد نزول هذه الآية تسع ليال ثم مات يوم الاثنين (ليلتين خلتا من ربيع الأول).

    { أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ } وهو دين الإسلام الذي أنزله الله على رسوله محمد صلى الله عليه وسلم. وهذا خطاب لأمة محمد صلى الله عليه وسلم الذي هو خاتم الأنبياء والرسل ورسالته خاتمة الرسالات. فيكون إكمال هذا الدين هو إكمال له إلى قيام الساعة. فالبشرية ليست بحاجة إلى رسل ولا إلى وحي بعد محمد صلى الله عليه وسلم. وبعد نزول هذه الآية بيوم واحد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم النحر في خطبة حجة والوداع: ( وقد تركت فيكم ما إن اعتصمتم به فلن تضلوا أبداً، أمراً بيّناً: كتابَ الله وسنّة نبيه ).

 

    فالإسلام كامل في شرائعه وعقائده فنحن لسنا في حاجة لأن نزيد عليه أي شيء. وقد حذرنا صاحب الرسالة من الابتداع والزيادة بقوله صلى الله عليه وسلم: ( من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد ). وكل ما تحتاج إليه الأمة الإسلامية هو وجود المجتهدين الذين يستنبطون الأحكام للمشاكل المتجددة من الأصول الشرعية.

 

    وكما أنه لا يجوز أن نبتدع ونزيد فلا يجوز لنا أن نعطل ونهمل شيئاً من الدين كما فعلت الأمم السابقة الذين توعدهم الله بقوله: { أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلاَّ خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ }. { وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي } أي أن نعمة الله تمت على هذه الأمة بإكمال دينها. وهذه منّة عظيمة. فإذا أرادت هذه الأمة زيادة من نعمة الله فما عليها إلا أن تكمل أخذها وتمسكها بهذا الدين الذي هو سبب النعمة. فإذا طلبوا النهمة من الكافر فقد خسروا نعمة الدنيا والآخرة. { وَرَضِيتُ لَكُمْ الْإِسْلَامَ دِينًا } إنها خطابات من الرحمن الرحيم إلى أمة محمد صلى الله عليه وسلم فيها تكريم وفيها تحبب. فهل نرفض ما رضيه الله لنا، وهل نعارض عما رغبنا الله فيه وجعله عنوان النعمة والرضوان والفلاح في الدنيا وفي الأخرى؟.

إقرأ المزيد...

 مع القرآن الكريم   يَا أَيُّها الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ

  • نشر في من القرآن الكريم
  • قيم الموضوع
    (0 أصوات)
  • قراءة: 1433 مرات

 

قال تعالى: { يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً } [سورة النساء: 59].

روى الإمام أحمد قال: «بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سريّة عليهم في شيء قال: فقال لهم: أليسَ قد أمركم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تطيعوني؟ قالوا: بلى، قال: فاجمعوا لي حطباً. ثم دعا بنار فأضرمها فيه، ثم قال: عَزَمْتُ عليكم لَتدخُلُنَّها. قال: فقال لهم شابٌ منهم: إنما فَرَرتم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من النار فلا تعْجلوا حتى تَلقْوا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإنْ أمَركمْ أن تَدخلوها فادخلوها. قال: فرجعوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبروه فقال لهم: «لو دخلتموها ما خرجتم منها أبداً، إنما الطاعةُ في المعروف» وأخرجاه في الصحيحين. وقد وردت في هذا المعنى أحاديث صحيحة كثيرة.

{ أَطِيعُوا اللَّهَ } أي ألزموا كتاب الله - القرآن.

{ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ } في حال وجود الرسول صلى الله عليه وسلم طاعته هي طاعة أوامره. وفي حال عدم وجوده (الآن مثلاً) تكون طاعته بالتزام سنته صلى الله عليه وسلم. وطاعة الرسول صلى الله عليه وسلم هي طاعة لله.

{ وَأُوْلِي الْأَمْرِ } هم الأمراء، أي الحكام الذين بيدهم السلطة. وقد قال بعض المفسرين بأنهم العلماء بدليل قوله تعالى: { لَوْلاَ يَنْهَاهُمْ الرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ عَنْ قَوْلِهِمْ الْإِثْمَ وَأَكْلِهِمْ السُّحْتَ }، وهذا الاستدلال ضعيف لأنه الذي ينهى عن المنكر ليس من الضروري أن يكون من أولي الأمر، إذ أن كل مسلم مطلوب منه أن ينهى عن المنكر ويأمر بالمعروف بدليل قوله صلى الله عليه وسلم: «من رأى منكم منكراً فليغيره بيده» وهذا معه صلاحية ليس الأمر والنهي فقط بل عنده صلاحية التغيير باليد. وهذا يشمل كل مسلم ولا يعقل أن يكون أولوا الأمر هم كل المسلمين. وكلمة { منكم } تفيد التبعيض.

{ منكم } أي أن أولي الأمر (الحكام) هم منا، أي من المسلمين. فإذا كان أولوا الأمر غير مسلمين فإنّ طاعتهم غير واجبة على المسلم بموجب هذا النص. أما إن كان أولو الأمر من المسلمين فإنّ طاعتهم واجبة إذا أمروا بأمر مشروع «إنما الطاعة في المعروف»، أما، إذا أمروا بمعصية فتحرم طاعتهم لأن طاعة الله مقدمة على طاعتهم «لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق». وإذا صار الحاكم المسلم يحكم علناً بأنظمة الكفر تصبحُ طاعته مثل طاعة الحاكم الكافر، أي غير واجبة حتى ولو أمروا بالمعروف. لأن الحاكم المسلم الذي يحكم بالكفر البواح مطلوب من المسلمين أن يخرجوا عليه ولو بالسلاح، وليس مطلوباً منهم أن يطيعوه. ولكن تجوز طاعتهم (ولا تجب) ما دام المسلمون لم يخرجوا عليهم، وما داموا يأمرون بأمر مشروع.

{ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ } أي إن تنازعتم أيها العامة مع الحكام، أو تنازعتم فيما بينكم في أي شيء، { فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ } أي إلى كتاب الله وسنة الرسول صلى الله عليه وسلم. وهذا الرد قد يتم دون حاجة إلى محكمة وقضاء بمجرد الوعظ والتذكير. وقد لا يكفي فيه الوعظ والتذكير فيصبح وجود القضاء ضرورياً.

وقد شرع الله القضاء. والقضاء يرفع المنازعات بين الناس (الحقوق الشخصية) وهذا هو القضاء العادي. ويرفع الاعتداء عن الملكية العامة (الحق العام) ويمنع الاعتداء على حق الله (أي ارتكاب المعاصي التي حرمها الله). وهذا هو قضاء الحسبة. ويمنع اعتداء الحكام (أولي الأمر) على الحقوق الشخصية أو حقوق الله. وهذا هو قضاء المظالم. وهذه الآية هي الأصل في إقامة محكمة المظالم.

{ إِنْ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ } وهذا يشير إلى أن الذي لا يرد المنازعات إلى كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم فلا يتصف بصفات المؤمنين.

{ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً } أي هذا الردّ إلى الكتاب والسنة والاحتكام إليهما هو خير في الدنيا وأحسن مآلاً وعاقبة في الآخرة .        

إقرأ المزيد...

يوميات حامل دعوة في رمضان

  • نشر في الخلافة
  • قيم الموضوع
    (0 أصوات)
  • قراءة: 1519 مرات

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه, وبعد عباد الله- نحييكم بتحية الإسلام فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته:

كنا وإياكم في حلقات مضت مع ابرز وقفات لحامل الدعوة في شهر رمضان المبارك, فمن قراءة قران وقيام, الى صلاة التراويح, الى اطعام الطعام وصلة الارحام واخلاق الصائم, وكلها كانت مصبا خيّرا للدعوة.

نعم الدعوة... تلك الدعوة التي ابت السماوات والارض ان يحملنها وحملها الانسان انه كان ظلوما جهولا.

الدعوة التي استطاع حامل الدعوة تسيير رمضان في فلكها, بمعنى ان يُسخّر الداعيةُ رمضانَ للدعوة بشكل مكثف وعالي الهمة فهو شهر سريع انفضاضه تختلط ايامه بلياليه المباركة, فخاب وخسر من لم يحظى بجر وثواب رمضان خاب وخسر!!!

أيها الصائمون:

أرفع إليكم شكوى يشكوها رمضان، لعلكم تذكرون، أو تستيقظون فتغيّرون. فاسمعوا يرحمكم الله إلى ما يشكوه رمضان منا.

يقول رمضان:

لقد كنت في سلفكم قرآنا وصياما وصلاة, وبرا وكرما وصدقة, وتوبة ومغفرة وطاعة. وكنت أخوّة ووحدة ومودة, وصلة رحم وقرابة. وكنت مجلس علم ودرس وأدب وأخلاق, وكنت جهادا وفتحا ونصرا.

 فكيف صرت اليوم فيكم؟

أين وحدتكم وأين رايتكم وأين قائدكم؟ أين الذي يعزر من انتهك حرمتي، وجاهر بمعصية ربه في شهري هذا؟ أين الذي يسلسل شياطين الإنس الذين يغتنمون شهري ليكثروا فيه الفساد، بعدما كفاكم الله شر شياطين الجن فأصفدهم ؟ أين الذي يحي فيكم الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، ويحي فيكم تقوى القلوب؟ أين الذي يقوي علاقتكم بربكم، ويرفع كرامتكم، ويرد إليكم عزتكم ومكانتكم, أين الذي يجهز جيوشكم، ويرفع رايتكم، ويعقد ألويتكم، لتفتحوا البلاد، وتهدوا العباد، وتنشروا الإسلام في شهري هذا؟ أين كل ذلك ؟

يا عباد الرحمن، إنني الشهر الذي اصطفاني ربي من بين الشهور، ففي أنزل القرآن, وفي فرض عليكم الصيام. { شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ } [البقرة:2/185]. فإني لكم شهر عظيم، وشهر كريم. فكيف حالكم في؟. لقد أتيتكم وأنتم ممزقون ومتفرقون, وحتى عن هلالي مختلفون. ولأهواء طواغيتكم متبعون. فَكَيَفتُم مطالعي حسب أقطاركم. نزولا عند رغبة أعدائكم الذين قسموا بلادكم. فلم تتوحدوا لا في صوم ولا في عيد. أو لم يأمركم الله بصيامي عند رؤية هلالي، إذ قال جل من قائل { فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ } [البقرة:2/185]. أولم يبين لكم رسولكم- صلى الله عليه وسلم - متى تصومون، ومتى تفطرون في الحديث الذي رواه البخاري " عن عَبْدِاللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ إِذَا رَأَيْتُمُوهُ فَصُومُوا وَإِذَا رَأَيْتُمُوهُ فَأَفْطِرُوا فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَاقْدُرُوا لَهُ " [رواه البخاري]. فلم لا تتعبدون ربكم بهذه المواقيت التي أخبر بها في قوله تعالى { يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ } ,  وتتعبدونه برزنامة " سايكس بيكو" التي فرقت بين أقطاركم.

يا عباد الرحمن: إني شهر عظيم, شهر البركات. ففي تصفد الشياطين, وفي تتنزل عليكم رحمة رب العالمين. " عن أَبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا دَخَلَ شَهْرُ رَمَضَانَ فُتِّحَتْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ جَهَنَّمَ وَسُلْسِلَتِ الشَّيَاطِينُ" [رواه البخاري]. فمالي أرى شياطينكم ترتع وتمرح على أرضكم, فتكثر الفساد والإفساد، وتخرب الأخلاق وتدمر القيم, وأنتم عنهم ساكتون؟ أتستبدلون الرحمة بالنقمة في هذا الشهر. ألا ترون أن صفوتي من بين الأشهر قد دنست, وأن حرمتي قد انتهكت. فهذا عاص يتبجح بمعصيته, فلا تجدون له قاضيا يعزره, وذاك صخّاب بالأسواق وغاش للناس وباخس في المكيال, فلا تجدون له الحسبة ولا المحتسب. وهذا إعلام فاسد وماجن يفرغ عليكم قاذوراته في بيوتكم، ليفسد عليكم نسائكم وأبناؤكم, ويشغلكم عن طاعاتكم, فلا تجدون له الأمير الذي يطهره. وهذه موائد قمار قد انتصبت, وهناك سمر ولهو وترف, وهنا رقص وخمرة وفاحشة. فانقلبت ليالي إلى ليال رمضانية حمراء تؤزكم فيها شياطين الإنس أزّا. أو ليست لي حرمة بينكم, يا خير أمة أخرجت للناس, وقد شرفني الله بكم وشرفكم بي من دون الناس, فأين الذي يأخذ على أيدي هؤلاء إذا أفسدوا, وأين الذي يغير على المجرمين إذا أجرموا.

يا عباد الرحمن: إني كنت لكم شهر الفتوحات والإنتصارات. ففي شهري العظيم نقشت بطولات أمجادكم, وانتصارات أسلافكم. أولا تسمعون صدى وقع سنابك خيولهم وصهيلها, وقعقعة سيوفهم وتكبيراتهم تتردد عليكم من قاع التاريخ, أفلا تتشوقون إلى مجد كمجدهم وعز كعزهم. أولا تذكرون يوم الفرقان, يوم فرق الله بين الكفر والإيمان, في معركة بدر الكبرى, أولا تذكرون فتح مكة وكسر الأوثان وسقوط الطواغيت, أولا تذكرون فتح الأندلس وفتح القسطنطينية. أولا تذكرون معركة حطين وعين جالوت. كل هذه الإنتصارات والفتوحات حققها أسلافكم في مثل هذا الشهر, فأين أنتم من هذا؟. ولكن يا خيبتي فيكم أراكم اليوم منتكسين ومنكسرين. وأرى بلادكم بأيدي أعدائكم. فهذا بيت المقدس أسير في أيدي يهود, وهذا عراق الرشيد ملتهب بأيدي الصليبيين, وتلك أفغانستان والشيشان وكشمير. فأين الخليفة الذي يحرر بلادكم ويلحم أجزائكم, ويمسح عاركم, ويضمد جراحكم؟.

يا عباد الرحمن: إني شهر التوبة والغفران, فلماذا تحزن بعدي المساجد، وتطفأ فيها المصابيح، وتشكوا لربها قلة الراكعين والساجدين والعابدين. أين ذهب التائبون, أين راح الراكعون, أين اختفى الذين رأيتهم في شهري لربهم ساجدين؟. فهل بعدي تموت القلوب, وتغور الدموع في العيون, فإني على حالي فيكم لحزين.

أيها الصائمون. هذه شكوى شهر الصيام, شكوى شهر رمضان. قد رفعتها إليكم، فماذا أنتم فاعلون ونحن في شهر الصلح مع رب العالمين, أتريدون أن يمر علينا رمضان تلو رمضان، وليس لنا راع يرعانا ويرعى صيامنا, والرسول - صلى الله عليه وسلم - يقول " إِنَّمَا الْإِمَامُ جُنَّةٌ يُقَاتَلُ مِنْ وَرَائِهِ وَيُتَّقَى بِهِ".

أيها الصائمون، إن حالنا الكئيب لن يتغير بذاته، وإنما يتغير بأعمالنا, فإن تبنا إلى ربنا في هذا الشهر العظيم, وشمرنا عن سواعد الجد واضطلعنا بأعباء قضيتنا. فإننا بحول الله سنسترد ما ضاع منا. سنسترد مضمون عقيدتنا التي تجاهلها أبناؤنا, وسنسترد العبادات التي أضاعوها, وسنسترد البلاد التي فرطوا فيها, وسنسترد خيراتنا التي سلبت منا, وسنسترد طعم العزة والكرامة, وسنسترد القيادة والسيادة التي كانت فينا, لنواصل نشر رسالة الإسلام في العالم. فهذه فرصتكم للصلح فيها مع ربكم, فلا تفوتوها على أنفسكم, وتوبوا إلى الله, وتبرؤوا من معاصيكم, واعلموا أن في آخر هذا الشهر المبارك سترفع صحائفكم إلى بارئكم, أفلا تحبون أن ترضوه عز وجل بأعمالكم, فتعزوا في دنياكم وآخرتكم. أفلا تحبون أن تتفيئوا ظلال سلطان الإسلام في رمضانكم القادم إن شاء الله, فترضوه سبحانه وتعالى بتطبيق شرعه على أرضه. فهنيئا لمن تاب وعمل لاستئناف الحياة الإسلامية, فهو بإذن الله مع السفرة الكرام البررة، فهلموا إلى العمل ولا تتولوا. ولا تتقاعسوا ولا تتخاذلوا ولا تتخلفوا. فهذا شهر العتق من النار فاعتقوا رقابكم يرحمكم الله. { فَسَتَذْكُرُونَ مَا أَقُولُ لَكُمْ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ }.

وتقبل الله صيامكم وقيامكم وكل طاعاتكم. اللهم إن نواصينا بيديك، وأمورنا ترجع إليك، وأحوالَنا لا تخفى عليك، إليك نرفع بثنا وحزننا وشكوانا، نشكو اللهم إليك ظلم الظالمين، وغلبة الفاجرين، وخيانة الخائنين، يا رب العالمين، اللهم نسألك عزاً للإسلام والمسلمين، اللهم عجل لنا بأمير المؤمنين، خليفة المسلمين، الذي يحكمنا بكتابك وبسنة نبيك محمد - صلى الله عليه وسلم - . اللهم أيد العاملين لإعزاز دينك بأقوياء المؤمنين، وأتقياء المؤمنين، وأنقياء المؤمنين، ليمكنوهم من إقامة شرعك على أرضك، اللهم كما أيدت حبيبك ورسولك محمد - صلى الله عليه وسلم - بالأنصار، نسألك أن تؤيد العاملين لدينك ودعوتك برجال كرجال الأنصار ينصرون الدين يا رب العالمين. اللهم ارحمنا فإنك بنا راحم ولا تعذبنا فإنك علينا قادر، اللهم إنا نسألك الشهادة في سبيلك وإعلاء كلمتك بنية خالصة لوجهك الكريم، مقبلين غير مدبرين، اللهم أجعل هذا الشهر العظيم، شهر رمضان الكريم, شهر عز وانتصار وسؤدد للإسلام والمسلمين، كما كان في أسلافنا شهر فتوحات وانتصارات. اللهم إنك عفو كريم تحب العفو فاعف عنا.

 وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين

إقرأ المزيد...
الاشتراك في هذه خدمة RSS

البلاد الإسلامية

البلاد العربية

البلاد الغربية

روابط أخرى

من أقسام الموقع