مقياس الأعمال
- نشر في ثقافية
- قيم الموضوع
- قراءة: 1392 مرات
لقد أصبح واضحاً لكلّ ذي بصيرةٍ أنّ الإدارة الأمريكية الحالية قد أصابها العمى و الغرور نتيجة لجشعها الاستعماري و محاولات فرض هيمنتها وسيطرتها على العالم ، فديدَنُها خلق الأزمات و إثارة المشاكل و إيجاد التوترات و إشعال الحروب ، بل إنها نفسها أصبحت تقع في هذه الأزمات و ترتدّ عليها المشاكل و تكتوي بنار هذه الحروب التي أشعلتها أو تسببت بها ، و صدق الله العظيم حيث يقول في كتابه العزيز { اسْتِكْبَارًا فِي الأَرْضِ وَمَكْرَ السَّيِّئِ وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلاَّ بِأَهْلِهِ } سورة فاطر - آية 43 ، فكان باكورة أعمالها القذرة الغزو و الاحتلال العسكري لأفغانستان و من ثم للعراق ، فأوقعت نفسها في ورطةٍ و أزمة لم تحسب نتائجهما و خسرت الكثير الكثير و في كل المجالات نتيجة لهذا التورط .
و لخشيتها من التورط المباشر و لاستمرار نهجها الاستعماري و مصادرتها لحرية الشعوب و عدائها للإسلام و المسلمين ، فقد دفعت أثيوبيا للتدخل العسكري المباشر في الصومال نيابة عنها ، و بالرغم من عدم قدرة أثيوبيا و مَن وراءَها على حسم هذا الصراع لصالحهم بسبب تصدي الشعب الصومالي و المجاهدين لهذا الغزو العسكري ، إلا أنّ هذه الحرب أوقعت الكثير من القتلى في صفوف الطرفين و تركت بصماتِها المأساويةَ و آثارَها المؤلمةَ على الشعب الصومالي المسلم الذي نسأل الله أن يتعافى من هذه الحرب و آثارها، و أن يخرج منتصراً منها و أن يكون الخزي و الهزيمة من نصيب أمريكا و الدمى التي تحركها .
و لم يقتصر الأمر على ما ذكرنا بل وصل الصلف الأمريكي إلى تحدي روسيا في عقر دارها في أوكرانيا و جورجيا و جمهورية التشيك و بولندا عبر مشروع الدرع الصاروخي ، و تأبى هذه الإدارة الأمريكية المتعجرفة أن تغادر البيت الأبيض إلا و وجهُها الأسودُ يزداد سواداً و بأزمة دولية جديدة تسببت بها و نعني أزمة القوقاز التي وقعت مطلع آب المنصرم ، و التي بدا واضحاً فيها أن أمريكا و معها إسرائيل قد دفعتا جورجيا بزعامة رئيسها رجل أمريكا ميخائيل سكاشفيلي الذي لا يُخْفِي أصوله اليهودية و وزير دفاعه دافيد كزرشفيلي الذي يتقن اللغة العبرية و يحمل الجنسية الإسرائيلية ، قد دفعتاها إلى هذه المغامرة الفاشلة بشنها هجوماً على أوسيتيا الجنوبية غير آبهة بنتائج هذا التدخل العسكري ، و لم تدرك أمريكا التي تتسم سياستها بالغرور و الغطرسة أن هنالك متغيراتٍ دوليةً و أن حساب الحقل لا ينطبق على البيدر و أن حساباتها لا تزال خاطئة و تعود عليها بالضرر و الخسارة ، ذلك أن روسيا اليوم قد توفرت لها إمكانيات السيطرة داخلياً في عهدي قيصر روسيا الجديد بوتين و توفرت لها إمكانيات الدفاع العسكرية و النووية و أنها أصبحت تتمتع باقتصاد يتعافى تدريجياً نتيجة للفورة النفطية و الحصول على عوائد ضخمة من أسعار النفط و الغاز و أن بإمكانها إحداث التأثير الفعال في الموقف الدولي ، فكان التدخل الروسي العسكري السريع و الحاسم في جورجيا و تبعه بعد ذلك اعتراف روسيا باستقلال أوسيتيا الجنوبية و أبخازيا ، و هنا شعر الغرب الأمريكي و الأوروبي باللطمة الروسية فأصابته بالصدمة و الحيرة ، فارتأى أسلوب الوساطة و الدبلوماسية فكانت الوساطة الفرنسية و محاولة الرئيس الفرنسي ساركوزي معالجة هذه الأزمة و وضع حلول لها ، و عقدت قمة الأتحاد الأوروبي و اتخذت قرارات هادئة و أبدت ردود فعل غير متشنجة باتخاذها قرار تجميد الشراكة الإستراتيجية مع روسيا و عدم فرض عقوبات اقتصادية و سياسية و دبلوماسية عليها .
و ما أزمة القوقاز التي نحن بصددها إلا مثالاً حياً للتنافس الشديد بين الدول الكبرى على المواقع و الثروات و النفط و الغاز و المجالات الحيوية و القوة غير المسبوقة التي أضحت عليها الشركات الرأسمالية الكبرى عابرة القارات في ظل عولمة متوحشة فتحت الباب على مصراعيه لنهب ثروات الشعوب و كبلت الدول الفقيرة و رهنتها للثالوث غير المقدس البنك الدولي و الصندوق الدولي و منظمة التجارة العالمية ، و كذلك فإن أزمة القوقاز مثالاً حياً لاستعمال هذه الدول الكبرى كل الوسائل و الأساليب الخبيثة و منها الحروب و الدمار لتحقيق غاياتها الاستعمارية غير آبهة بحرية الشعوب و أرواحها .
ألا يدفع هذا الواقع المؤلم الأمة الأسلامية للإنعتاق من نير المبادئ و الأنظمة الفاسدة التي تُطبّق عليها و العمل على تغيير هذا الواقع الفاسد الذي تعيشه و العمل على إنقاذ البشرية من شقاء الدول الكبرى و أدواتها و مصالحها الاستعمارية ، فتأخذ موقعها الرائد الذي أراده لها ربّ العزة بحمل مشعل الهداية و العدل للعالم أجمعين حتى ينطبق فيها قول الله عزّ و جل { وَ مِمّنْ خلقنا أمّةٌ يهدون بالحقِّ و به يعدلون } صدق الله العظيم ، سورة الأعراف - آية 181 .
كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي لحزب التحرير: الأستاذ ياسر غيث
نرحب بكم أيها الإخوة الكرام ونقدم لكم جولة الاثنين الإخبارية ونستهلها بالعناوين:
•1- انتخاب آصف زرداري رئيساً للباكستان بترتيب أمريكي واضح.
•2- الأجهزة الأمنية الأمريكية تتجسس على عميلها رئيس وزراء العراق نوري المالكي.
•3- قوات حماس في غزة تعتقل أحد قادة فصيل إسلامي جهادي يتبنى تطبيق أحكام الشريعة.
•4- الرئيس السوري بشار الأسد يتهالك على عدم انقطاع المفاوضات العبثية مع كيان يهود.
الأنباء بالتفصيل
1- انتخب آصف زرداري زوج رئيسة الوزراء السابقة بناظير بوتو رئيساً للباكستان خلفاً للرئيس برويز مشرف الذي اضطر إلى تقديم استقالته بعد أن رفعت الإدارة الأمريكية عنه الحماية وحجبت ثقتها عنه.
وكان زرداري قد تبنى نفس المواقف الأمريكية فيما يتعلق بما يسمى مكافحة الإرهاب بل إنه أعلن عن مواقف أكثر تشدداً من مواقف سلفه عميل أمريكا الأكبر برويز مشرف في محاربة الحركات الجهادية في منطقة وزيرستان وفي ضمان أمن قوات الاحتلال الأمريكية والأطلسية في أفغانستان، وقد نشرت له صحيفة الواشنطن بوست قبيل انتخابه بيومين مقالاً قال فيه: "سوف أعمل على هزيمة تمرد طالبان المحلي وعلى ضمان عدم استخدام الأراضي الباكستانية في شن هجمات إرهابية على الدول المجاورة أو على قوات حلف شمال الأطلسي في أفغانستان".
وتواصل أمريكا منذ ترشيح زرداري لرئاسة الباكستان غاراتها على المناطق القبلية داخل العمق الباكستاني وقتل في آخر غاراتها الأسبوع الماضي ثلاثة أطفال وامرأتان بإطلاق صواريخ من طائرات أمريكية بدون طيار، كما قامت قوات كوماندوز أمريكية بقتل 15 مجاهداً داخل الأراضي الباكستانية في وقت سابق ولم تستنكرها حكومة زرداري ولم يحتج عليها أي مسؤول في الدولة بشكل جدي.
وتزامن انتخاب زرداري رئيساً للباكستان مع وقوع زلزال في شمال البلاد بقوة 5.7 نقطة على مقياس ريختر ومع وقوع انفجار لسيارة مفخخة قرب مركز للشرطة قتل فيه 15 شخصاً منهم خمسة من عناصر الشرطة.
ويعتبر زرداري عند قطاع واسع في الباكستان رمزاً للفساد حيث قضى 11 عاماً من حياته في السجون بتهم الفساد واختلاس الأموال وقتل أحد أصهاره.
وفي ظل حكم زوجته بوتو استحدث لنفسه وزارة الاستثمارات وعرف بعد ذلك بلقب (المستر عشرة في المئة) وذلك كناية عن نسبة العشرة في المائة التي كان يتقاضاها كعمولة عن كل صفقة عامة يتم إبرامها مع الوزارة.
ويرفض زرداري بعناد طلب شريكه في الائتلاف رئيس الوزراء السابق نواز شريف بالإفراج عن القضاة المعزولين خوفاً من احتمال أن يوجهوا له تهماً جديدة بالفساد.
وفي الأسبوع الماضي تعرض رئيس وزرائه يوسف رضا جيلاني لأول محاولة اغتيال تبنتها حركة طالبان باكستان التي اتهمت زرداري نفسه بأنه (أفاك وكاذب).
2- في كتاب جديد لنائب رئيس تحرير الواشنطن بوست بوب وودوارد بعنوان حرب الداخل: حقبة سرية للبيت الأبيض 2006-2008 جاء فيه نقلاً عن مصادر أمريكية رسمية "لقد كنا نعلم كل ما يقوله المالكي".
كما أورد الكاتب أن عمليات التجسس طالت جميع أعضاء الحكومة العراقية وجميع المقربين من رئيس الوزراء.
وتحدث هذا الصحفي الأمريكي المشهور عن أسباب تقليص أعمال العنف في العراق فأرجعها إلى أربعة أسباب وهي: 1- العمليات السرية. 2- زيادة أعداد القوات الأمريكية. 3- قرار مقتدى الصدر بوقف عمليات جيش المهدي. 4- تشكل قوات الصحوة التي تولت مواجهة تنظيم القاعدة.
وهكذا فإن أمريكا لا يهمها التجسس على عملائها ولا تأبه بفضحهم على رؤوس الأشهاد، ما يهمها فقط هو تحقيق مصالحها الاستعمارية ولو أدى ذلك إلى حرق عملائها واستبدالهم.
3- اعتقلت قوات أمن حماس يوم الأربعاء الماضي أبا حفص أبرز قادة جماعة جيش الأمة وقامت باستجوابه بخصوص إجراء عناصر الجيش تدريباً مسلحاً في قطاع غزة تم تصويره من قبل صحفيي وكالة رويترز للأنباء. وما زال أبو حفص معتقلاً منذ احتجازه قبل يومين.
وتعهد أبو حفص في المقابلة مع رويترز بقتال (إسرائيل) والكفار، وانتقد حركة حماس بسبب عدم تطبيقها أحكام الشريعة الإسلامية في قطاع غزة.
4- أظهر الرئيس السوري بشار الأسد تهالكاً مفضوحاً على استمرار المفاوضات مع كيان يهود فقال: "إننا ننتظر الانتخابات الإسرائيلية لكي نحدد مستقبل المرحلة ولكي نطمئن"، وأضاف: "نريد الدعم من كل الدول وأساساً من فرنسا وقطر وتركيا لكي نطمئن إلى أن رئيس الوزراء الإسرائيلي المقبل سيسير في نفس اتجاه رئيس الوزراء الحالي إيهود أولمرت"، وقال الأسد: "حددنا ست نقاط ووضعناها وديعة عند الجانب التركي بانتظار أن تسلمه إسرائيل نقاطها"، وقال: "سيكون ردنا الإيجابي على النقاط التي تطرحها إسرائيل وتنتقل المفاوضات بعد قيام إدارة أمريكية جديدة مقتنعة بعملية السلام"، وأضاف: "نتحدث عن دور أمريكي ضروري في عملية السلام".
إن هذا التهالك المستميت والارتماء الذليل على أعتاب أمريكا وفرنسا وتركيا للتواصل والاستمرار في مفاوضات عقيمة سقيمة مع دولة العدو اليهودي إنما يُعبر عن مدى خيانة الرئيس السوري وأركان نظامه الذين طالما روَّجت أبواق إعلامهم للشعارات الثورية الكاذبة ومقولات الصمود والممانعة الزائفة
عَنْ صَفْوَانَ بْنِ عَسَّالٍ قَالَ
جَاءَ أَعْرَابِيٌّ جَهْوَرِيُّ الصَّوْتِ قَالَ يَا مُحَمَّدُ الرَّجُلُ يُحِبُّ الْقَوْمَ وَلَمَّا يَلْحَقْ بِهِمْ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
الْمَرْءُ مَعَ مَنْ أَحَبَّ
جاء في تُحْفَةِ الأَحْوَذِيِّ بِشَرْحِ جَامِعِ التِّرْمِذِيِّ
( وَلَمَّا يَلْحَقْ هُوَ بِهِمْ )
قَالَ الْحَافِظُ : هِيَ أَبْلَغُ فَإِنَّ النَّفْيَ بِلَمَّا أَبْلَغُ مِنْ النَّفْيِ بِلَمْ فَيُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّ الْحُكْمَ ثَابِتٌ وَلَوْ بَعْدَ اللَّحَاقِ . وَوَقَعَ فِي حَدِيثِ أَنَسٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ : وَلَمْ يَلْحَقْ بِعَمَلِهِمْ . وَفِي حَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ عِنْدَ أَبِي دَاوُدَ وَغَيْرِهِ : وَلَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَعْمَلَ بِعَمَلِهِمْ . وَفِي بَعْضِ طُرُقِ حَدِيثِ صَفْوَانَ بْنِ عَسَّالٍ عِنْدَ أَبِي نُعَيْمٍ وَلَمْ يَعْمَلْ بِمِثْلِ عَمَلِهِمْ وَهُوَ يُفَسِّرُ الْمُرَادَ اِنْتَهَى
( الْمَرْءُ مَعَ مَنْ أَحَبَّ )
يَعْنِي مَنْ أَحَبَّ قَوْمًا بِالْإِخْلَاصِ يَكُونُ مِنْ زُمْرَتِهِمْ وَإِنْ لَمْ يَعْمَلْ عَمَلَهُمْ لِثُبُوتِ التَّقَارُبِ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ , وَرُبَّمَا تُؤَدِّي تِلْكَ الْمَحَبَّةُ إِلَى مُوَافَقَتِهِمْ , وَفِيهِ حَثٌّ عَلَى مَحَبَّةِ الصُّلَحَاءِ وَالْأَخْيَارِ رَجَاءَ اللَّحَاقِ بِهِمْ وَالْخَلَاصِ مِنْ النَّارِ .
إنَّ المؤمنَ يُحِبُّ اللهَ تعالى، { والذينَ امنوا أشَدُّ حُبّاً للهِ }، ويُحِبُّ رسولَهُ الكريمَ الملازمَ لِحُبِّ اللهِ تعالى { أَحَبَّ إليكُمْ مِنَ اللهِ ورسولِهِ }، ويُحِبُّ مَنْ أَحَبَّ اللهَ مِنْ أهْلِ الصلاحِ و الخيرِ.
ولكنَّ العَجَبَ كُلَّ العَجَبِ مِمَّنْ يُحِبُّونَ الْحُكَّامَ المتحكِمِينَ في رِقابِ المسلمينَ. فهذا يُحِبُّ فَهْداً لِحُبِّهِ لأبيهِ عبدِ العزيزِ، وذاكَ يُحِبُّ عَرَفاتٍ، وهذا يُحِبُّ عبدَ الناصرِ، وذاكَ يُحِبُّ حُسَيْناً، وهذا يُحِبُّ حُسْنِيْ، وذاكَ يُحِبُّ عبدَ اللهِ الأولَ أو الثانيَ..
فَنُذَكِّرُ هؤلاءِ بِقولِ رسولِنا الكريمِ "الْمَرْءُ مَعَ مَنْ أَحَبَّ". أَفَنُحِبُّ أنْ نكونَ مَعَ مَنْ عَطَّلُوا الْحُكْمَ بما أنزلَ اللهُ! أَوَنُحِبُّ أنْ نكونَ مَعَ مَنْ عَطَّلَ حُدُوْدَ اللهِ؟ّ أَوَنُحِبُّ أنْ نَكُوْنَ مَعَ مَنْ أَبَاحُوا الربا و الخمورَ و الفجورَ! أَوَنُحِبُّ أنْ نَكونَ مَعَ مَنْ عَادَى اللهَ ورسولَهُ! أَوَنُحِبُّ أنْ نَكُوْنَ مَعَ مَنْ آذَى أولياءَ اللهِ! أَوَنُحِبُّ أنْ نكونَ مَعَ مَنْ قَسَّمَ بلادَ المسلمينَ! أَوَنُحِبُّ أنْ نكونَ مَعَ مَنْ أعانَ الكُفَّارَ على قتلِ المسلمينَ واغتصابِهِمْ! أَوَنُحِبُّ أنْ نكونَ مَعَ مَنْ خانوا اللهَ وبَاعُوا البلادَ! أَوَنُحِبُّ أنْ نكونَ مَعَ مَنْ عَاثَ في الأرضِ الفَسَادَ! أَوَنُحِبُّ أنْ نكونَ مَعَ مَنْ شَقَّ على أُمَّتِهِ!
ونُذَكِّرُ في الْخِتامِ بقولِ اللهِ تعالى { هَاأَنتُمْ هَؤُلاء جَادَلْتُمْ عَنْهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَمَن يُجَادِلُ اللّهَ عَنْهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَم مَّن يَكُونُ عَلَيْهِمْ وَكِيلاً } {4/109}
ولم يحصل أن حكم المسلمون العالم كله حتى الآن. والأحاديث، التي هي خير ما يفسر القرآن لأن رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول: «استنطقوا القرآن بسنتي»، تفيد أن المسلمين سيحكمون العالم، والأرجح أن يحصل ذلك في وقت واحد، أي أن يصبح الحكم في العالم كله للدولة الإسلامية. وهذا الحكم يدوم زمناً يعلمه الله، ثم ينحسر ولا يستمر إلى يوم القيامة، لقوله: «لا يذهب الليل والنهار حتى تعبد الاّتُ والعُزّى» .
أكمل الناس لذة من جمع له بين لذة القلب والروح ولذة البدن، فهو يتناول لذاته المباحة على وجه لا ينقص حظه من الدار الآخرة ولا يقطع عليه لذة المعرفة والأنس بربه فهذا ممن قال تعالى فيه: { قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِيَ أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالْطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِي لِلَّذِينَ آمَنُواْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ }، وأنجسهم حظا من اللذة من تناولها على وجه يحول بينه وبين لذات الآخرة فيكون ممن يقال لهم يوم استيفاء اللذات : { أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُم بِهَا }، فهؤلاء تمتعوا بالطيبات وأولئك تمتعوا بالطيبات . وافترقوا في وجه التمتع ، فأولئك تمتعوا بها على الوجه الذي آذن لهم فيه فجمع لهم بين لذة الدنيا والآخرة وهؤلاء تمتعوا بها على الوجه الذي دعاهم إليه الهوى والشهوة وسواء أذن لهم فيه أم لا ، فانقطعت عنهم لذة الدنيا و فاتتهم لذة الآخرة فلا لذة الدنيا دامت لهم ولا لذة الآخرة حصلت لهم، فمن أحب اللذة ودوامها والعيش الطيب فليجعل لذة الدنيا موصلا له إلى لذة الآخرة بأن يستعين بها على فراغ قلبه لله إرادته وعبادته ، فيتناولها بحكم الاستعانة والقوة على طلبه لا بحكم مجرد الشهوة والهوى ، وإن كان ممن زويت عنه لذات الدنيا وطيباتها فليجعل ما نقص منها زيادة في لذة الآخرة ، و يجم نفسه ههنا بالترك ليستوفيها كاملة هناك ، فطيبات الدنيا ولذاتها نعم العون لمن صح طلبه لله والدار الآخرة وكانت همته لما هناك ، و بئس القاطع لمن كانت هي مقصوده وهمته، وحولها يدندن، وفواتها في الدنيا نعم العون لطالب الله والدار الآخرة ، و بئس القاطع النازع من الله والدار الآخرة . فمن أخذ منافع الدنيا على وجه لا ينقص حظه من الآخرة ظفر بهما جميعا وإلا خسرهما جميعا. كتاب الفوائد لابن القيم
وَصَلِّ اللَّهُمَّ عَلَىْ سَيِّدِنا مُحَمَّدٍ وَعَلَىْ آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ
وَالسَّلامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكاتُهُ